هناك "قانون" يرجع تاريخه إلى مئة عام يقول إن التوتر قد يساعد على تحسين الأداء البدني والذهني معا، طالما ظل عند مستوى معين. فكيف يمكنك أن تحدد المقدار المطلوب الذي يكفي لأن يكون محفزا لك لا معوقا لأدائك؟
كغيره من كثير من العاملين في مجال تقديم خدمات الطوارئ، اعتاد نيكولاس غروم أن يتعرض للتوتر خلال أدائه لعمله. وعندما يتحدث، تجده يتكلم بسرعة وبنبرة تليق بمسعف.
ويصف الشاب البالغ من العمر 29 عاما نفسه والمسعفين من أقرانه قائلا: "نحن مجموعة غريبة الأطوار بعض الشيء، لأننا نُعرّض أنفسنا طوعا لمواقف يفر منها الآخرون".
ويتابع قائلا: "على من يعمل في هذا المجال أن يتقبل الضغوط بدرجة ما".
وقد يكون التوتر مفيدا؛ إذ يقول غروم: "عندما أتوجه لتقديم العون الطبي للمصابين في حادث مروع، أجد أن بعض التوتر يساعدني في اتخاذ القرارات؛ لأن ذلك الشعور يساعد في الحفاظ على تركيزي في الموقف الذي أنا بصدده، فبقاؤك متنبها ومتحفزا يساعد قليلا على أن تظل ملما بالظروف المحيطة بك التي لا تكف عن التغير".
لكن من ناحية أخرى، لا يخلو الأمر من جانب سلبي، وهو ما يتحدث عنه غروم قائلا إن "التعرض المفرط للضغوط قد يجعلك تفقد الوعي الظرفي المتعلق بإدراك طبيعة الموقف الذي تواجهه".
وغروم ليس وحده في هذه العلاقة المعقدة مع التوتر. فهناك العديد ممن يقدمون أفضل ما لديهم عندما يعملون تحت ضغط، أو يفترضون أن آخرين يحدث لهم ذلك. لكن يظل السؤال: هل يمكن للتوتر أن يساعد حقيقة في تحسين أدائك؟ وإذا كان الأمر كذلك، فما القدر المناسب منه؟
كثيرون هم من يؤمنون بمنهج غولديلوكس مع التوتر، فهو يرى أن تعرضك للكثير منه سيهيمن عليك، في حين أن القليل منه لا يحفزك.
وعلى أي حال، فقد يكون بعض التوتر بمثابة حافز، ويمكن أن تأخذ في الاعتبار مستويات الأدرينالين التي ترتفع عند حلول الموعد النهائي لتسليم عمل مثلًا، أو قدر الإثارة الذي ينتابك قبل الدخول في منافسة ما.
ويقول البروفيسور جيمس كويك، أستاذ الإدارة بجامعة تكساس في آرلنجتون، إن التوتر "له دور وظيفي كبير، ولهذا فهو في الحقيقة له علاقة مهمة بمستوى الأداء بل وبالصحة."
ويضيف أنه "عامل مفيد للغاية في حالات الطوارئ المشروعة، وأيضا في تحقيق أعلى معدلات الإنجاز في أوقات تتطلب أداءً عاليًا".
ويتحدث عشاق الرياضة أحيانا عن "جين الضغط" لدى الرياضيين ليقدموا أفضل أداء في اللحظات الأخيرة والحاسمة من مباراة يشاركون فيها.
ومع أنه من الواضح أنه لا يوجد جين لذلك، فإن العلاقة بين الأداء في العمل والضغط تشكل مبدءا نفسيا راسخا يجسده قانون يعرف باسم "يركس- دودسون".
ويستمد هذا القانون اسمه من اثنين من علماء النفس توصلا في دراستهما المهمة عام 1908 إلى أن الفئران تكون أسرع في تعلم أداء مهمة (الاختيار بين صندوقين) إذا ما تلقت "صدمة كهربائية غير مريحة لها".
وأدت الصدمة "المعتدلة" إلى تعلم الفئران بطريقة أسرع بالمقارنة مع صدمة "خفيفة" أو "قوية".
وتبين وجود نتائج مشابهة في دراسات أجريت على حيوانات أخرى، ولحسن الحظ لم تتطلب دائما استخدام طريقة الصدمات الكهربائية.
وركزت الدراسة على الطريقة التي تنشأ بها هذه العادة بدلا من التركيز على التوتر، ولم يجر تطبيقها على السلوك البشري.
لكن الدرس المستفاد هو أن الأداء يزداد مع التحفيز لكن إلى حد معين، وهنا يستخدم مصطلحا "الضغط" و"التحفيز" بشكل متبادل في العادة.
ويفسر كويك الأمر بالإشارة إلى أن التحفيز، من الناحية النفسية، قد يتخذ شكل معدل نبضات قلب متزايدة، وتدفق للدم يعاد توجيهه إلى المخ، وتجمعات عضلية كبيرة، وإفراز الجلوكوز ليعمل كمصدر طاقة. ومن ثم فإن موارد الجسم يعاد توزيع مهامها لتكون في أفضل أداء لها في حالة الطوارئ بدءًا من التنبه العقلي، وحتى التشنج العضلي الأعلى وتيرة، ويهيئ كل من الدماغ والجسم لأداء المهمة التحفيزية.
ويكون هذا الوضع مفيدا في حالة وقوع أزمة حقيقية أو عند التعامل مع تحدٍّ مهم.
ومن هنا فإن انخفاض مستوى التحفيز عن الحد المطلوب يمثل مشكلة على أية حال، وكما يذكر كويك فإن "عدم الاكتراث يؤدي إلى مستويات أداء وإنجاز متدنية". كما أن عدم وجود قدر كبير من الحوافز يخفض من المعنويات شأنه شأن الشعور بالإجهاد، لذا فإن الموازنة بين الحالتين هي المفتاح والحل.
ما أهمية معرفة نوع التوتر؟
مع أن مبدأ يركس- دودسون يروق للكثيرين، إلا أنه وجهت إليه سهام نقد كثيرة أيضا، ويقول منتقدوه إنه يطبق بشكل موسع للغاية.
وتظهر الدراسات الخاصة بالعلاقة بين التوتر والأداء أن النتائج تتوقف على جملة من العوامل المتداخلة والمعقدة، تشمل كيفية قياس الأداء وطبيعة العامل الذي يمثل ضغطا؛ فقلة النوم قد تضر بسرعة الأداء وليس بدقته، ومن هنا لا ينبغي للعداء مثلا أن يسهر لوقت متأخر كل ليلة. ويمكن للضوضاء أن تؤثر على الدقة وليس على السرعة، لذا ينبغي للمراسل أن يعثر على مكان هادئ للقيام بعمله.
No comments:
Post a Comment